جبال الأوراس Aurés كتلة جبلية في شمالي الجزائر الشرقي، لها خصائص جغرافية ميَّزتها مما حولها، وجعلت منها إقليماً خاصاً محدداً، ذا أهمية في تاريخ المغرب العربي قديماً وحديثاً، ولم يُعرف أصل تسميتها لكن يرجح أنه أمازيغي.
الموقع والامتداد
يؤلف إقليم الأوراس حلقة في سلسلة جبال الأطلس الصحراوي [ر. الأطلس]، وهو يقع في الجهة الجنوبية الشرقية للجزائر المتوسطية. يحده شرقاً وادي العرب، الذي يفصله عن جبال النَّمَامْشَة، وغرباً وادي القنطرة ـ بِسِكْرة الذي يفصله عن جبال الزاب المنخفضة، ويشرف شمالاً على نجود قسنطينة التي لا يقل ارتفاعها عن 900م، أما في الجنوب فيشرف على وهدة الزيبان، التي تنتهي إلى شط مِلْغِر (- 26م). ضمن هذه الحدود يأخذ الإقليم شكلاً رباعياً مساحته 8000كم2.
تأتي أهمية موقع الأوراس من إشرافه على طرق طبيعية حيوية، كطريق تونس ـ المغرب الأقصى في الجنوب، وطريق واحات الصحراء وقسنطينة في الشمال الغربي، ثم الطريق الموصلة إلى تونس الشمالية، وكان للطريقين الأخيرين أهمية بينة في العهود: الفينيقية واليونانية والرومانية والبيزنطية تذكرها النصوص التاريخية وتعكسها الآثار الباقية.
التركيب الجيولوجي والبنية والتضاريس
يتكوّن إقليم الأوراس من صخور كلسية وحوَّارية. تعرضت في الإيوسين لحركة التوائية، أخذت محاورها اتجاهاً شمالياً شرقياً ـ جنوبياً غربياً، فكوّنت سلاسلها الجبلية الرئيسة، لكنها بعدئذ بُرِيَتْ بحتٍ نشط، وأصابها في البليوسين وأوائل البلايستوسين نهوض بنائي عام، أعاد إليها النشاط الحتي ولاسيّما في العصر المطير، فتراجعت خطوط تقسيم المياه نحو الشمال، حتى صار معظم الأوراس تابعاً مائياً «هيدروغرافياً» لحوض شط المِلْغِر في الجنوب، وصار أقله تابعاً لحوضات شطوط قسنطينة في الشمال، وقد أتى الحت على طبقات بكاملها، ورافقه حت (كارستي) Karstique ـ تحلل الصخر الكلسي ـ أدى إلى تكوّن الكثير من الكهوف، وكذلك كثرت الخوانق في الأودية، وكثرت الأنقاض والرواسب عند السفوح الجنوبية للإقليم، وفُرشت قيعان الأودية بالمواد الطينية.
وفي ضوء المحاور الالتوائية الآنفة الذكر، يتألف الأوراس من ثلاث سلاسل جبلية متوازية، بينها أودية طولية عميقة، وذات جروف كثيرة وشاهقة تصل إلى 200م. هذا وتتركز أعلى القمم في الشمال، وفيه جبل الشلية (2328م) أعلى جبال الجزائر المتوسطية، وإلى الغرب منه جبل كف محمل (2322م(. لكن القمم تنخفض في الجنوب فأعلاها جبل أحمر خدو، أو الخد الأحمر (2160م(.
المناخ والنبات
يبعد إقليم الأوراس أكثر من 150كم عن البحر المتوسط، ومع ذلك يجعله ارتفاعه واتجاه جباله، عرضة للرياح الشتوية القادمة من الشمال الغربي الوافرة المطر نسبياً في جهاته الشمالية، ويعرّضه للرياح الشمالية الشرقية الشتوية الباردة، التي تنخفض درجة الحرارة فيها إلى ما دون الصفر. وهنا تنمو غابات الأرز وتكثر المروج، ويكتفي القمح والشعير بما يهطل من أمطار، وتتدرج الأنواع النباتية هبوطاً نحو الأوراس الأوسط والجنوبي حيث يتناقص المطر وترتفع درجة الحرارة، فمن صنوبر حلب إلى السنديان فأشجار الفاكهة التي تنمو في المناطق المعتدلة من كرز ومشمش وخوخ ولوز وتين وزيتون، ودون مستوى 800م تنمو شجرة نخيل التمر، امتداداً لواحات الصحراء. وفي تلك الجهات تتعذر الزراعة البعلية، وتصبح الأودية المكان الوحيد المناسب للإنتاج الزراعي.
السكان
تعود أصول سكان الأوراس إلى الأمازيغ[ر]، لكنهم تعرضوا للاختلاط بالفينيقيين والرومان عرقياً وثقافياً واجتماعياً، ثم جاء العرب المسلمون الذين أعطوهم اللغة العربية والدين الإسلامي، كما قَدِم إلى الأوراس جماعات وهم من أمازيغ (بربر) ليبية وجنوبي تونس والساقية الحمراء، وإقليم بيبان في الشرق الجزائري، (ويقول بعضهم إنه ينتسب إلى العرب من بني هلال).
يبلغ عدد سكان الأوراس نحو 300.000 نسمة، (إحصاء 1992)، وتتزايد كثافتهم في اتجاه الغرب والشمال الغربي وفي الأودية. أما وحدة تَجَمُّعهم فهي القرية أو (الدوار) يتركز أكثرها في الأودية وتقام فوق مستوى الأرض الزراعية، أو على التلال ويعلو القرية مايشبه القلعة، حيث تخزن كل أسرة مُؤنها وغلالها، وللقلعة حارس مسؤول.
يجمع الأوراسيون الجنوبيون في مساكنهم بين البيوت الثابتة (من الطين والحجارة) والخيام، بين الحياة المستقرة والحياة المتنقلة، ويسوقون مواشيهم من الضأن والماعز، نحو الشمال شتاءً، وهناك يزرعون الحبوب الشتوية ويحصدونها، ثم يعودون إلى قراهم، للعمل في بساتينهم المروية في الأودية، أو يقصدون الواحات الصحراوية للتزود بالتمور. أما السكان في الشمال فزرّاع مستقرون.
لحق بإقليم الأوراس دمار كبير إبان حرب التحرير الجزائرية، ثم جرى إعماره بعد الاستقلال، وأهم المراكز البشرية غوفي ومشونش وأريس في وادي الأبيض، ومناعة في وادي عبدى.
أثر الأوراس في التحرير من الاستعمار الفرنسي
اتخذ الجزائريون في إقليم الأوراس قواعد لهم لمقاومة الاستعمار الفرنسي، منذ القرن التاسع عشر. ولما اندلعت الثورة الجزائرية الكبرى في 1 تشرين الثاني 1954، اتخذت من الأوراس قاعدة لها، ودارت فيه معارك كبيرة، أمكن بنتيجتها تحرير القسم الأكبر من الإقليم بعد تضحيات جسام واستشهد من الأوراسيين الكثيرون، وفيهم أحد كبار قادة الثورة وهو بلقاسم قرين، وخلفه في القيادة الزعيم الأوراسي مصطفى بن بولعيد. وكانت خسائر الفرنسيين فيها كبيرة جداً في النفوس والذخائر والأعتدة التي استولى عليها الثوار. واستعمل المستعمرون في هذه المعارك المدفعية والطيران فقصفوا القرى والغابات، وهدموها وأحرقوها. وأمام مقاومة السكان والتحامهم بجيش التحرير، تخلى الفرنسيون عن اقتحام الأوراس، واكتفوا بمراكز مراقبة على حدوده الخارجية. ومن أهم معارك انتصار الثورة في الأوراس فم الغرزة، ومناعة، ومشونش، وخنقة سيدي ناجي.
الموقع والامتداد
يؤلف إقليم الأوراس حلقة في سلسلة جبال الأطلس الصحراوي [ر. الأطلس]، وهو يقع في الجهة الجنوبية الشرقية للجزائر المتوسطية. يحده شرقاً وادي العرب، الذي يفصله عن جبال النَّمَامْشَة، وغرباً وادي القنطرة ـ بِسِكْرة الذي يفصله عن جبال الزاب المنخفضة، ويشرف شمالاً على نجود قسنطينة التي لا يقل ارتفاعها عن 900م، أما في الجنوب فيشرف على وهدة الزيبان، التي تنتهي إلى شط مِلْغِر (- 26م). ضمن هذه الحدود يأخذ الإقليم شكلاً رباعياً مساحته 8000كم2.
تأتي أهمية موقع الأوراس من إشرافه على طرق طبيعية حيوية، كطريق تونس ـ المغرب الأقصى في الجنوب، وطريق واحات الصحراء وقسنطينة في الشمال الغربي، ثم الطريق الموصلة إلى تونس الشمالية، وكان للطريقين الأخيرين أهمية بينة في العهود: الفينيقية واليونانية والرومانية والبيزنطية تذكرها النصوص التاريخية وتعكسها الآثار الباقية.
التركيب الجيولوجي والبنية والتضاريس
يتكوّن إقليم الأوراس من صخور كلسية وحوَّارية. تعرضت في الإيوسين لحركة التوائية، أخذت محاورها اتجاهاً شمالياً شرقياً ـ جنوبياً غربياً، فكوّنت سلاسلها الجبلية الرئيسة، لكنها بعدئذ بُرِيَتْ بحتٍ نشط، وأصابها في البليوسين وأوائل البلايستوسين نهوض بنائي عام، أعاد إليها النشاط الحتي ولاسيّما في العصر المطير، فتراجعت خطوط تقسيم المياه نحو الشمال، حتى صار معظم الأوراس تابعاً مائياً «هيدروغرافياً» لحوض شط المِلْغِر في الجنوب، وصار أقله تابعاً لحوضات شطوط قسنطينة في الشمال، وقد أتى الحت على طبقات بكاملها، ورافقه حت (كارستي) Karstique ـ تحلل الصخر الكلسي ـ أدى إلى تكوّن الكثير من الكهوف، وكذلك كثرت الخوانق في الأودية، وكثرت الأنقاض والرواسب عند السفوح الجنوبية للإقليم، وفُرشت قيعان الأودية بالمواد الطينية.
وفي ضوء المحاور الالتوائية الآنفة الذكر، يتألف الأوراس من ثلاث سلاسل جبلية متوازية، بينها أودية طولية عميقة، وذات جروف كثيرة وشاهقة تصل إلى 200م. هذا وتتركز أعلى القمم في الشمال، وفيه جبل الشلية (2328م) أعلى جبال الجزائر المتوسطية، وإلى الغرب منه جبل كف محمل (2322م(. لكن القمم تنخفض في الجنوب فأعلاها جبل أحمر خدو، أو الخد الأحمر (2160م(.
المناخ والنبات
يبعد إقليم الأوراس أكثر من 150كم عن البحر المتوسط، ومع ذلك يجعله ارتفاعه واتجاه جباله، عرضة للرياح الشتوية القادمة من الشمال الغربي الوافرة المطر نسبياً في جهاته الشمالية، ويعرّضه للرياح الشمالية الشرقية الشتوية الباردة، التي تنخفض درجة الحرارة فيها إلى ما دون الصفر. وهنا تنمو غابات الأرز وتكثر المروج، ويكتفي القمح والشعير بما يهطل من أمطار، وتتدرج الأنواع النباتية هبوطاً نحو الأوراس الأوسط والجنوبي حيث يتناقص المطر وترتفع درجة الحرارة، فمن صنوبر حلب إلى السنديان فأشجار الفاكهة التي تنمو في المناطق المعتدلة من كرز ومشمش وخوخ ولوز وتين وزيتون، ودون مستوى 800م تنمو شجرة نخيل التمر، امتداداً لواحات الصحراء. وفي تلك الجهات تتعذر الزراعة البعلية، وتصبح الأودية المكان الوحيد المناسب للإنتاج الزراعي.
السكان
تعود أصول سكان الأوراس إلى الأمازيغ[ر]، لكنهم تعرضوا للاختلاط بالفينيقيين والرومان عرقياً وثقافياً واجتماعياً، ثم جاء العرب المسلمون الذين أعطوهم اللغة العربية والدين الإسلامي، كما قَدِم إلى الأوراس جماعات وهم من أمازيغ (بربر) ليبية وجنوبي تونس والساقية الحمراء، وإقليم بيبان في الشرق الجزائري، (ويقول بعضهم إنه ينتسب إلى العرب من بني هلال).
يبلغ عدد سكان الأوراس نحو 300.000 نسمة، (إحصاء 1992)، وتتزايد كثافتهم في اتجاه الغرب والشمال الغربي وفي الأودية. أما وحدة تَجَمُّعهم فهي القرية أو (الدوار) يتركز أكثرها في الأودية وتقام فوق مستوى الأرض الزراعية، أو على التلال ويعلو القرية مايشبه القلعة، حيث تخزن كل أسرة مُؤنها وغلالها، وللقلعة حارس مسؤول.
يجمع الأوراسيون الجنوبيون في مساكنهم بين البيوت الثابتة (من الطين والحجارة) والخيام، بين الحياة المستقرة والحياة المتنقلة، ويسوقون مواشيهم من الضأن والماعز، نحو الشمال شتاءً، وهناك يزرعون الحبوب الشتوية ويحصدونها، ثم يعودون إلى قراهم، للعمل في بساتينهم المروية في الأودية، أو يقصدون الواحات الصحراوية للتزود بالتمور. أما السكان في الشمال فزرّاع مستقرون.
لحق بإقليم الأوراس دمار كبير إبان حرب التحرير الجزائرية، ثم جرى إعماره بعد الاستقلال، وأهم المراكز البشرية غوفي ومشونش وأريس في وادي الأبيض، ومناعة في وادي عبدى.
أثر الأوراس في التحرير من الاستعمار الفرنسي
اتخذ الجزائريون في إقليم الأوراس قواعد لهم لمقاومة الاستعمار الفرنسي، منذ القرن التاسع عشر. ولما اندلعت الثورة الجزائرية الكبرى في 1 تشرين الثاني 1954، اتخذت من الأوراس قاعدة لها، ودارت فيه معارك كبيرة، أمكن بنتيجتها تحرير القسم الأكبر من الإقليم بعد تضحيات جسام واستشهد من الأوراسيين الكثيرون، وفيهم أحد كبار قادة الثورة وهو بلقاسم قرين، وخلفه في القيادة الزعيم الأوراسي مصطفى بن بولعيد. وكانت خسائر الفرنسيين فيها كبيرة جداً في النفوس والذخائر والأعتدة التي استولى عليها الثوار. واستعمل المستعمرون في هذه المعارك المدفعية والطيران فقصفوا القرى والغابات، وهدموها وأحرقوها. وأمام مقاومة السكان والتحامهم بجيش التحرير، تخلى الفرنسيون عن اقتحام الأوراس، واكتفوا بمراكز مراقبة على حدوده الخارجية. ومن أهم معارك انتصار الثورة في الأوراس فم الغرزة، ومناعة، ومشونش، وخنقة سيدي ناجي.